اللهب المقدس

مرحبا بك معنا حللت أهلا وسهلا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

اللهب المقدس

مرحبا بك معنا حللت أهلا وسهلا

اللهب المقدس

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
اللهب المقدس

تربوي أدبي ثقافي


2 مشترك

    في انتظار مآس أخرى

    بوجدع عبد العزيز
    بوجدع عبد العزيز


    عدد المساهمات : 89
    تاريخ التسجيل : 20/12/2010

    في انتظار مآس أخرى Empty في انتظار مآس أخرى

    مُساهمة  بوجدع عبد العزيز الإثنين يناير 19, 2015 1:46 am

    ـــ في انتظار مآس أخرى ــ
    ــ لا أذكر عن أبي شيئا .. تقول أمّي بأنّي كنت في الثالثة من عمري حـيـــنــما غاب عنّا .. أمّا شقيقي فكان في السّنة السّابعة من عمره .
    كثيرا ما كانت تحدّثنا عن تلك الّليلة المروّعة الّتي اُختُطف فيها أبي من قبل أناس ملثّمين ، ومدجّجين بالرّشاشات والمسدّسات .. .
    تقول بأنّه قبّلني وأخي ونحن نائمان ثمّ مضى إلى غير رجعة .. لا أحد من الجيران هبّ نحونا ليلتها ، لأنّ الرّعب تملّك الجمبع في تلك الفترة الرّهيبةالتي كان العنف والبطش فيها سيّدي الموقف .
    انقطع عنّا مورد أبي ــ تقول أمّي ــ وقضينا شهورا طويلة تحت رحمة الفقر والحاجة الشّديدة ، والحسرة الملازمة عرى غياب أبي .
    أذكر أنّي لم أرغب في الذّهاب إلى المدرسة ، لأنّ حالة من الذّوار كانت تنتابني مع الإحساس بالتّعب الدّائم .. كنت أعاني من مرض فقر الدّم النّاتج عن سوء التّغذية حسب الطّبيب الّذي فحصني مرّتين قبل إن انقطع عنه بسبب عدم قدرة أمّي على دفع ثمن الفحض والأدوية باهظة الكلفة .
     استطاعت أمّي بوساطة بعض الأقارب أن تحصل على عقد عمل مؤقّت كمنظّفة بإحدى الإدارات العمومية .. كنت أتألّم كثيرا لحالها لأنّ التّعب النّفسيّ والبدنيّ نالا منها نبلا .. ومع ذلك فإنّ طيف حسنها الّلطيف لم يبرح ملامح وجهها الوديع .
    انتابني ذعر شديد ذات مساء حينما عدت من المدرسة ورأيت عددا معتبرا من الأقارب والجيران في بيتنا .. كدت أصرخ ..بل إنّني صرخت أخيرا وقد رأيت أمّي ممدّدة بينهم ، فسقطت أنا الأخرى بينهم مغمى عليّ .. استفقت من إغمائي في المستشفى .. كان أخي إلى جانبي .. سألته عمّا حدث لأمّي ، فطمأنني عن حالها ورجاني أن أتسلّلح بالصّبر ، فما هذه الدّنيا إلاّ دار بلاء ، وتوسّل إليّ أن أدرّب نفسي على التماسك ، وتسليم الأمور للّه ، والتوكّل عليه فهو نعم الوكيل .. كان أخي يريدني أن أملأ فراغه في البيت بعدما التحق بسلك الجيش منذ عامين بوساطة أحد الجيران النّافذين .
    أُصيبت أمّي مدّة بشلل نصفيّ ، وذلك لأنّ مدير المؤسّسة العموميّة الّتي كانت تعمل بها حاول الاعتداء على شرفها بعدما استدعاها إلى مكتبه ذات مساء ، وكان قد حاول ذلك مرارا من قبل حسبما علمت .
    لم تتوقّف وحشيّة المدير عند هذا الحدّ ، فبعد شهرين أوقف عقد عمل أمّي .. بدا لي أنّها لم تتأثّر بعد تبليغها كتابيا بهذا التّوقيف ، والّذي علّله المدير الظّالم الفاحش بعدم أهليّة المعنيّة لأداء وظيفتها المسندة إليها .
    لقد بغّضت المصائب  إلى أمّي الحياة والأحياء فيما يبدو .. وربّما لهذا تمالكت نفسها حينما أُبلغت من طبيبها المعالج بأنّ حظوظ شفائها التّامّ من مرضها ضعيفة جدّا ، مع إمكان عودة الحركة الخفيفة إلى اليد والرّجل المشلولتين .. وما نفع الحركة الخفيفة أمام تحدّيات هذا الواقع الشّرس ؟ .
    كأنّ هذه المصائب المتتالية كانت تعدّنا لمواجهة المصاب الأعظم ، ذلك الّذي حطّم فينا ما امتلكنا من الصّبر ، وأخمد فينا ما تبقّى من حسّ الحياة ، إنّه مقتل أخي في حادث انفجار قنبلة في دوريتهم العسكريّة الّتي كانت متوجّهة لتمشيط منطقة غابيّة بمنطقة القبـــــــــائل الكبرى .
    بعد عام من هذه الحادثة طرق باب بيتنا رجلان وامرأة .. كان كلّ واحد من الثّلاثة يحمل حافظة أوراق .. أخبرتنا المرأة المرافقة بأنّهم يمثّلون هيئة حقوقيّة ، وأنّ علينا أن نعدّ ملفا لللاستفادة من التّعويضات الّتي أقرّتها الدّولة لفائدة ضحايا المأساة الوطنيّة .
    بعد أسابيع من تردّدي على العديد من الإدارات تمكّنت من إعداد الملفّ المطلوب ، ثمّ إنّني أرفقته برسالة عدّدت فيها مآسينا الأسريّة كلّها ، وذيّلتها برجاء مرفوع إلى هذه الهيئة للنّظر في هذه المآسي جميعها .
    قصدت إدارة هذه الهيئة ، والتمست مقابلة مديرها ةألححت في طلبي ، وقد تمكّنت من ذلك بعد عدّة إرجاءات ، كادت أوراق الملفّ معها أن تفقد صلاحيتها بسبب القدم .
     تفحّص المدير الوثائق ووضعها جانبا ، ثمّ فتح الرّسالة وانهمك في قراءتها ، وما إن فرغ منها حتّى علت وجهه تقطيبة ونظرة عنيفة اكتسحتني .
     أعاد الرّسالة إلى ظرفها ، ثمّ قام من كرسشيّه الفخم وسلّمني الظّرف وهو يشير بيده نحو الباب ، آمرا إياي بالانصراف ، والتحوّل برسالتي إلى جهات أخرى .. وفي رواق الهيئة أسرّت إليّ إحدى الموظّفات وقد كانت إحدى زميلات الدّراسة بأنّ هذا المدير هو من حاول النّيل من شرف أمّي حينما كانت تعمل منظّفة بتلك الإدارة .
     حملت رسالت المثقلة بمظالمنا وسحبت رجليّ نحو الخارج ، وقد بدا لي الشّارع الّذي سلكته كنهر مهتاج تتقاذفني أمواجه البشريّة المتدافعة.
    وصلت إلى البيت مجهدة .. كانت أمّ مستسلمة لإغفاءتها المعهودة .. ألقيت بجسدي على فراشي الممدود إلى جانب فراشها ، واستسلمت بدوري لنوبة الدّوار في انتظار مآس أخرى .

     
    عزالدين كعوش
    عزالدين كعوش
    Admin


    عدد المساهمات : 34
    تاريخ التسجيل : 02/12/2010
    العمر : 59

    في انتظار مآس أخرى Empty رد: في انتظار مآس أخرى

    مُساهمة  عزالدين كعوش الأحد فبراير 01, 2015 4:31 am

    عتمة ..وأخرى.. ومع ذلك الواقع أشد ظلمة !

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 6:08 pm