اللهب المقدس

مرحبا بك معنا حللت أهلا وسهلا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

اللهب المقدس

مرحبا بك معنا حللت أهلا وسهلا

اللهب المقدس

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
اللهب المقدس

تربوي أدبي ثقافي


    تامدة نهاية القصة

    عزالدين كعوش
    عزالدين كعوش
    Admin


    عدد المساهمات : 34
    تاريخ التسجيل : 02/12/2010
    العمر : 60

    تامدة نهاية القصة  Empty تامدة نهاية القصة

    مُساهمة  عزالدين كعوش الأحد نوفمبر 18, 2012 10:46 am

    تامدة ( قصة قصيرة )    
    عندما نكون صغارا تبدو الأشياء من حولنا عظيمة ، بينما ننمو ونكبر تبقى هي وفية لقدها ، فذلك الجدار الذي كان يوارينا أثناء اللعب أصبح غير قادر على التستر ..فضحنا الجسم والفعل ، لقد كبرنا وكبرت معنا أشياء كثيرة فلم تعد ملاذاتنا قادرة على احتوائها كما كانت تفعل لما كنا صغارا..
           أشيائي الصغيرة بقيت كذلك ؛ حصان خشبي  صغير ودميه مطاطية تداولنا عليها جيلا بعد جيل وصندوق صغير أحف فيه متاعي . .. و قمر ظل يماشيني يدون محطاتي ، يسجل الخيبات و يعلن بعض الانتصارات ، وراح يراقب خطواتي لكي يرفع بصماتها  ويجرني إلى ليلة لم تكن ليلته  هو ولا ليلتي ... وجهه الشاحب  هذه الليلة بات يشبه كبوتي ، وراح يحاكي أوجاعي التي زادها البعد اتساعا ..وها هو يقف شاهدا على عذابي ويدون أنيني وأنا أسأل :  
    - من سرق جنتي  ؟ من قتل القمر في عيني تلك الليلة ؟ وسحب من بين ذراعيّ الربيع ؟ ... بل من يعيد إليّ دنياي وحديقتي الغناء وجنتي الوارفة الظلال؟  " تامدة "* ... هناك حيث امتزجت الفصول واعتدل الجو فبات كل زمانها ربيعا مقيما ... وأنا الآن أحبذ أن تكون آخر أنفاسي على تلك الصخرة أرنو إلى " الشرشار "** الذي انبلج من قلب الجبل الذي احتضن " تامدة " بحنو وظل يحميها من كل نازلة ...
          أتذكر جيدا ..و لا يمكنني النسيان وكيف أنسى  وقد كان  ...حضورك بينا  حدثا ... فكلما عدت إلى القرية تجمعنا حولك فتشدنا بحديثك الغريب عن جهة نجهلها ، عن عالم لا ينام ؛ محلات لا تغلق وشبان وبنات يتنزهون ، يتحدثون يتسامرون ... هناك يمكنك أن تصافح فتاة أن تجلس معها في مطعم أو في مقهى دونما حرج ... وكنا نطرب لحديثك عن تلك الأماكن المغرية والحياة الراقية  فنغرى و نتمنى ...
    وها أنت  تفعلها اليوم وتعلنها أنها ستكون اليوم ليلتي الموعودة ستأخذني إلى هناك ... حلم أراه ، أمسكه فيأخذني في زهو أبدي إلى عالم مجنون ...حيث الأنوار الوهاجة والمسارب الضيقة ، والشوارع المفتوحة حيث التيه أمل ، وماض العمر ذكرى ليليّات حزينة رحلت... ولن تعود ..
    لكنك كنت ليلة غير التي توقعت فتأتين تتوشحين الصفعات ، بلا قمر ،بلا نجوم بلا أضواء متثائبة ، تشبهين النهار وقد سرق منك السكونَ هديرُ المحركات وأبواقُ السيارات التي لم تلجمها قداستك ... وقد كشفت عنك الستار هذه المصابيح التي نثرت في كل الأماكن وعند جميع الممرات ...
    لكنه بقي فيك جانب آخر وكر لناس آخرين ، ذلك الجانب المستور  الذي يرتاده صنف لا يحب النور، نشاطه يحلو في الخفاء بعيدا عن الأعين والأضواء ..
    لقد تبينت يا صديقي ـ أيجوز أن أناديك بهذا الاسم  ــ  كل الأماكن هنا وعرفت هويتها وأخذت العُدة لكل واحد منها ..وهذا المكان خاصة كنت تعرفه جيدا لقد اخترته بدقة وعناية ... وكنت تغريني وتسحبني إلى وكرهم وأنا أتبعك مبهورا بالذي سأقع عليه بعد حين ! ..وتطلب مني أن أسرع ، وأمتثل لأصل في النهاية .. أصل للمكان الذي كنت قد خططت لأن أبلغه عندها ناديت على أحدهم بصوت خافت باسم غريب لم تذكره من قبل في حكاياتك هناك في " تامدة "عندما كنا  نتجمع حولك وتحدثنا بمغامراتك  .. لقد سمع نداك  فخرج  وخرج خلفه آخر وآخر.. لتدعني هناك وترحل ... تتركني بين ذئاب كشرت عن أنيابها وأفواه أدركت كنهي ـ قروي ـ  وعرفت اسمي ..بينما غاب اسمك لما حاولتُ أن أناديك وأنت تتركني أواجه مصيري ... وأتفق الكل من حولي ، هذا الآخر ، هذا الكيان ،هذا العالم الذي لا ينام ... يتذكر الكل ويتعرف على الطريدة جيدا ، وتكون الوحيد الذي ينسى ..بل كنت من تذكر ..كيف جاء ، كيف عبر الديار ، أعتلى السطح حتى صار منا في أعلى الأماكن ..
    وأعلن :
    - سوف تغدو الدار داري
    والبنين ...
    و أنا أردد نفس المقال:
    - وشمعة أشعلتها ..
    لتنير للقادمين ..
    للعابرين ..
    فقط ليعبرون ...
    واتضح الآن أمرك عندما وضعت خطتك لما كنت عندهم وحدك وقد تجردت من رائحة الطين التي اجتهدنا أن نبثها بين أضلعك  .. خطة تم نسجها في ليلة أخرى كان قمرها واضحا وضوح الوادي الذي تخلل "تامدة " وأنساب نحو الحقول البعيدة ، وتعرج ، وتموج وكان يزرع الحياة وراح يشكل شريطا أخضر ينطلق من قلب "تامدة " من بين البساتين الكثيفة ، نحو الحقول المكشوفة فالمنحدرات الصعبة ، يتمزق أحيانا ثم يلتئم ، ليتلاشى ويغيب تماما لما يختلط بالودي الكبير ، ويفقد هويته ...
    أحاول النهوض من كبوتي ، وأظهر قوتي ، لكنها تكشفني رائحة الطين وينهزم لديّ الأصغران؛ لساني المتلعثم يعجز عن إصدار أي صوت  حتى ولو كان رجاء ...وقلبي يزيد نبضه ... يزيد ، ويسلم بلا مقاومة.. فيستولون على كل ما لدي ويتركونني ممددا بعد ما أوسعوني ضربا
    ومن بعيد أراه والدك هو بصورته حين قدم على قريتنا.. كان وحيدا وكان منبوذا تكشفه رائحة الطين هكذا قالوا  وأراد الكل أن يتخذه واحدا من القرية غير أن جدي عارض الجميع  ...
    قال جدي :
    - لنقل ، حضر الغريب ، عاش الغريب ، مات الغريب وما أثمر الغرباء  في قريتنا غربا ...
    لكن رائحة الطين كانت أقوى ، علت كل الروائح وفاحت في كل نواحي الوادي لتكون السائدة وقد أذكاها صوت "الشرشار" لما تدفقت مياهه وتطايرت وهي تصفع وجه الصخر ، وزادها انتشارا تغريد العصافير ، ليحتفل المكان ويستمر العرس ..عرس والدك الذي صار من القرية رغم اعتراض جدي .. ويثمر الغريب وتأتي أنت
    قدمت علينا فقبلناك بيننا ، و كنا نسميك باسمك ، و نسعد لما تحضر ، ونبتهج وأنت تحدثنا عن مغامراتك وشجاعتك ووفائك للتراب وكنا نصدقك ما أطيبنا !.. بل ما أحمقني وأنا أكتشف الذي قال جدي بعد فوات الأوان !..
    لقد كان جدي على حق لما هجر القرية  ما دمت فيها ،  وكان" الشرشار" كذلك على حق، لقد اكتوى من خيانة التراب فجف ولم يعد ينبه طائرا فيغني ولا يسقي شجرا فينمو ...بل رحل حزينا تاركا آثارا نقشها على وجه الصخر ذات أفراح قبل قدومك..

    * تامدة : قرية صغيرة قيل إن اسمها يعني عين الماء المتدفقة
    ** الشرشار : اسم أطلقه سكان تامدة على الشلال
       

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 1:39 am