ــ العصفور والعاصفة ــ ــ لقد رابني أمر هذا العصفور الغريد في هذا المساء ، إنني تعودت على مغادرة البيت باتجاه المدرسة على وقع شدوه الجميل ،، وكان ينسيني تعب الدرس عند العودة مساء بغنائه الذي يغمر أرجاء حديقة البيت ،، كم كنت استمتع بألحانه الرقيقة البديعة ، التي تنساب في أعماقي انسياب المطر في باطن الأرض العطشى التائقة إلى الارتواء .
استحوذ علي القلق ، ورات أمواج الظنون والحيرة تصطفق في داخلي ، وتزداد تدفقا كلما تدانت خطواتي من مدخل الحديقة ،، كنت أهييء نفسي للاستمتاع بالشدو الجميل ، فإذا بالسكون المطبق يخيم على المكان المحار بشحوب المساء ، فلا شدو يداعب المسامع اليوم .. .
أسرعت نحو الحديقة ، ورت استرق السمع ، وأرسل النظر نحو قامات الأشجار ، وأمرره عبر الأغصان بحثا عن العصفور .
أخيرا رأيته ..ها هو هناك فوق السياج ، لقد انسحب وانزوى وحيدا ، ورمى ببصره التائه يهيم في الأفق .
ما له قد توقف عن رفرفته المعهودة المحببة ؟ لم تراه حبس شدوه ؟ ولم كف عن حركاته الخفيفة التي تشبه هي أيضا نغمه الجميل ؟ ولم هذه النظرة الحزينة المنكسرة التي يرسلها في البعيد؟ أي مانع حال بينه وبين إطلاق سراح أوتاره وجناحيه الرشيقين المزدهيين بالألوان البديعة الآسرة؟ .
أحس العصفور بوقع خطاي فأدار رأسه الصغير نحوي في تثاقل ، ثم خفضه محدقا في بعض أغصان التينة الفرعاء وقد تبعثرت على الأرض .. أرسلت نظري نحو هذه الأغصان التي راحت أوراقها نذبل ، وبدأت طراوتها تجف ، فوقع نظري على عش العصفور الذي كان بناءه قد اكتمل ، وأخذ شكلف الدائري المتقن ..لقد فعلت عاصفة الأمس فعلها في شجر الحديقة وزهرها، حيث انكسرت كثير من الأغصان ، وتناثر الورق والزهر ، وقد نال عش العصفور حظه من هجوم العاصفة ، وهاهوقد انفصل من مكانه من الغصن الذي كان مثبتا عليه..لقد تهلهل بناءه ، وتلطخ عشبه بصفار بيضه ، واجتاحه جيش من النمل النهم .
بالأمس كان هذا العش حضن العصفور وأنثاه ، ولا شك أنهما تعبا كثيرا في بنائه ، وها هو الآن حطام لا يؤوي ، وركام يثير في النفس حسرة الذكرى الجميلة الآفلة .
أصابني من حال العصفور هم عميق وحزن دفين.. وتمنيت لو كانت لي مهارته في نسج الأعشاش فأبني له عشا آخر يأوي إليه إن ارتضى ذلك ، ويتعزى فيه على ما أصابه ، وإن كنت أقدر أنه لن يتقبل مني هذا الكرم لما يعرف عن الطيور والعصافير من أنفة .. فهي لا ترتضي من الأعشاش إلا ما بنته بكدها واجتهادها ، وهي على حق في ذلك ، فأطيب ما نناله هو ما دفعنا ثمنه من جهدنا وعطائنا .
أويت إلى فراشي ليلا وحالي تقلب بين التألم لمصاب العصفور الحزين ، وبين رجاء استغراقه في نوم عميق ينسيه همه إن كانت العصافير تنام .
كان أول ما انبعث في البال عند استيقاظي صباحا هو شأن العصفور ..تمنيت ألا يغادر الحديقة ، وإن بقي على حزنه ووجومه ..المهم ألا يغادر ، فعسى نداء الحياة الذي ينطلق من كل جهات المكان ينسيه ، ويعود إلى ماكان عليه من استمتاع بالحياة ومشاركة في صنع مباهجها .
اعترتني رعدة وأنا أتناول فطور الصباح انتشت بها كل جوانحي ..لقد سمعت تغريدة العصفور ، فهرولت بسرعة إلى الخارج كأني على موعد للقاء حبيب طال غيابه وانتظاره ..دنوت مت التينة الفرعاء ، فإذا الحسون يقف على أغصانها ، متوجها صوب الشمس التي أشرقت لتوها ، وهو يرسل تغريده البديع الذي راح يوغل ويذوب في الضياء الصباحي الساحر..قريبا من قمة الغصن رأيت عشيبات متعانقة ومنسوجة بعناي محكمة..لقد عاود الحسون بناء عشه..هاهو يجمع العشيبات والنثارات الناعمة لتأثيث العش وبداية حياة جديدة..فلك الله أيها العصفور الصغير القوي..لك الله وأنت تمد جناحيك اللطيفين في متسع الهواء والنور..لك الله وأنتت ترسل التغاريد العذاب شاكرا للطبيعة فيوض النعم ، وغافرا لها عواصف النقم.
لكأني بك ـ على صغرك ـ أدركت سر النعم والنقم معا ، فاغتنمت من الأولى وشكرت ، واصطبرت على الثانية واعتبرت ، فكنت في هدوء ما قبل العاصفة مطمئنا راضيا شاديا ، وتلك حال الشاكرين ، وها أنت في هدوء ما بعد العاصفة أكثر اطمئنانا وأعمق رضى وأجمل شدوا ، وتلك عقبى الصابرين.. .
استحوذ علي القلق ، ورات أمواج الظنون والحيرة تصطفق في داخلي ، وتزداد تدفقا كلما تدانت خطواتي من مدخل الحديقة ،، كنت أهييء نفسي للاستمتاع بالشدو الجميل ، فإذا بالسكون المطبق يخيم على المكان المحار بشحوب المساء ، فلا شدو يداعب المسامع اليوم .. .
أسرعت نحو الحديقة ، ورت استرق السمع ، وأرسل النظر نحو قامات الأشجار ، وأمرره عبر الأغصان بحثا عن العصفور .
أخيرا رأيته ..ها هو هناك فوق السياج ، لقد انسحب وانزوى وحيدا ، ورمى ببصره التائه يهيم في الأفق .
ما له قد توقف عن رفرفته المعهودة المحببة ؟ لم تراه حبس شدوه ؟ ولم كف عن حركاته الخفيفة التي تشبه هي أيضا نغمه الجميل ؟ ولم هذه النظرة الحزينة المنكسرة التي يرسلها في البعيد؟ أي مانع حال بينه وبين إطلاق سراح أوتاره وجناحيه الرشيقين المزدهيين بالألوان البديعة الآسرة؟ .
أحس العصفور بوقع خطاي فأدار رأسه الصغير نحوي في تثاقل ، ثم خفضه محدقا في بعض أغصان التينة الفرعاء وقد تبعثرت على الأرض .. أرسلت نظري نحو هذه الأغصان التي راحت أوراقها نذبل ، وبدأت طراوتها تجف ، فوقع نظري على عش العصفور الذي كان بناءه قد اكتمل ، وأخذ شكلف الدائري المتقن ..لقد فعلت عاصفة الأمس فعلها في شجر الحديقة وزهرها، حيث انكسرت كثير من الأغصان ، وتناثر الورق والزهر ، وقد نال عش العصفور حظه من هجوم العاصفة ، وهاهوقد انفصل من مكانه من الغصن الذي كان مثبتا عليه..لقد تهلهل بناءه ، وتلطخ عشبه بصفار بيضه ، واجتاحه جيش من النمل النهم .
بالأمس كان هذا العش حضن العصفور وأنثاه ، ولا شك أنهما تعبا كثيرا في بنائه ، وها هو الآن حطام لا يؤوي ، وركام يثير في النفس حسرة الذكرى الجميلة الآفلة .
أصابني من حال العصفور هم عميق وحزن دفين.. وتمنيت لو كانت لي مهارته في نسج الأعشاش فأبني له عشا آخر يأوي إليه إن ارتضى ذلك ، ويتعزى فيه على ما أصابه ، وإن كنت أقدر أنه لن يتقبل مني هذا الكرم لما يعرف عن الطيور والعصافير من أنفة .. فهي لا ترتضي من الأعشاش إلا ما بنته بكدها واجتهادها ، وهي على حق في ذلك ، فأطيب ما نناله هو ما دفعنا ثمنه من جهدنا وعطائنا .
أويت إلى فراشي ليلا وحالي تقلب بين التألم لمصاب العصفور الحزين ، وبين رجاء استغراقه في نوم عميق ينسيه همه إن كانت العصافير تنام .
كان أول ما انبعث في البال عند استيقاظي صباحا هو شأن العصفور ..تمنيت ألا يغادر الحديقة ، وإن بقي على حزنه ووجومه ..المهم ألا يغادر ، فعسى نداء الحياة الذي ينطلق من كل جهات المكان ينسيه ، ويعود إلى ماكان عليه من استمتاع بالحياة ومشاركة في صنع مباهجها .
اعترتني رعدة وأنا أتناول فطور الصباح انتشت بها كل جوانحي ..لقد سمعت تغريدة العصفور ، فهرولت بسرعة إلى الخارج كأني على موعد للقاء حبيب طال غيابه وانتظاره ..دنوت مت التينة الفرعاء ، فإذا الحسون يقف على أغصانها ، متوجها صوب الشمس التي أشرقت لتوها ، وهو يرسل تغريده البديع الذي راح يوغل ويذوب في الضياء الصباحي الساحر..قريبا من قمة الغصن رأيت عشيبات متعانقة ومنسوجة بعناي محكمة..لقد عاود الحسون بناء عشه..هاهو يجمع العشيبات والنثارات الناعمة لتأثيث العش وبداية حياة جديدة..فلك الله أيها العصفور الصغير القوي..لك الله وأنت تمد جناحيك اللطيفين في متسع الهواء والنور..لك الله وأنتت ترسل التغاريد العذاب شاكرا للطبيعة فيوض النعم ، وغافرا لها عواصف النقم.
لكأني بك ـ على صغرك ـ أدركت سر النعم والنقم معا ، فاغتنمت من الأولى وشكرت ، واصطبرت على الثانية واعتبرت ، فكنت في هدوء ما قبل العاصفة مطمئنا راضيا شاديا ، وتلك حال الشاكرين ، وها أنت في هدوء ما بعد العاصفة أكثر اطمئنانا وأعمق رضى وأجمل شدوا ، وتلك عقبى الصابرين.. .